السكريالشاي الاخضرالصداع وحل مشكلة الصداع النصفيالقهوةالنوم الصحةسرطان الثدي

لماذا يفهم الناس الصداع النصفي بشكل خاطئ؟

تُصنِّف منظمة الصحة العالمية الصداع النصفي ثالث أكثر الأمراض انتشارا في العالم، بمعدل إصابة وصل إلى أكثر من بليون شخص؛ ما يجعله مشكلة صحية عالمية، كما أنه من الأمراض التي تعوق قدرة المصابين به على أداء مهامهم اليومية باعتيادية، خاصة خلال نوبات الألم، ويعاني هؤلاء الأشخاص من تأثير عدم وعي المحيطين بهم بهذا المرض، ومن الوصمة الاجتماعية، وقلة التعاطف والدعم الذي يمكن أن يتلقوه في صفوف الدراسة أو أماكن العمل، بسبب انتشار الكثير من الخرافات والمفاهيم الخاطئة حول هذا المرض.

الصداع النصفي هو مجرد صداع عادي

فمثلا، في حين يتسبب الصداع النصفي في حدوث صداع لدى الشخص المصاب، إلا أن الصداع هو واحد فقط من الأعراض المرتبطة بهذا المرض، ففي الأنواع المختلفة من الصداع يُصنَّف الصداع بناء على موقع الألم وطبيعته، وذلك لتحديد السبب، مثلا في صداع التوتر ينتشر الألم على جانبي الرأس، ويبدأ غالبا من الخلف ثم إلى الأمام، وهو أكثر أنواع الصداع شيوعا، ومن مسبباته الرئيسية إجهاد العين والجوع والإجهاد النفسي(١).

لكن الصداع النصفي أمر معقد، ففي الماضي ظن الباحثون أنه اضطراب في الأوعية الدموية، بينما اليوم يُصنَّف واحدا من الأمراض العصبية، لأنه يؤثر على إفرازات ومسارات عصبية في الدماغ، ويُعرَف على أنه اضطراب إدراكي حسي، بسبب تأثر الأنظمة الحسية خلال نوبة الصداع التي تحدث عبر عدة مراحل(٢).

تشمل النوبة عادة 4 مراحل، وقد لا يمر مريض الصداع النصفي بها كلها(٣)(٤) (5)، وتبدأ بمرحلة “ما قبل الصداع”، والتي قد تبدأ خلال ساعات أو أيام قبل الصداع، وتشمل أعراضها التقلبات المزاجية، واشتهاء الطعام، وتصلب الرقبة الذي تبيّن مؤخرًا أنه ليس سببا بل عرض لهذا المرض (6)، والحساسية المرتفعة للضوء أو الصوت، ومشكلات التركيز، والغثيان، وصعوبة النوم. ثم تأتي مرحلة “هالة الصداع”، والتي تبدأ خلال الساعة التي تسبق الصداع، وفيها تحدث الاضطرابات الحسية، فتتأثر خلالها حواس النظر أو الكلام أو اللمس، فيشكو الشخص من أعراض مثل الرؤية الضبابية والتنميل في الذراع وصعوبة الكلام.

يأتي الصداع في المرحلة الثالثة، وقد يستمر من 4 ساعات إلى ٧٢ ساعة، ويكون الألم في صورة خفقان أو طرق شديد على الرأس، وتتراوح شدته من خفيف إلى قاسٍ. إضافة إلى أعراض مرحلة “هالة الصداع” التي قد تستمر خلال مرحلة الصداع، ويزداد الألم سوءا بممارسة الأنشطة البدنية والتعرض للضوء أو الصوت أو الروائح. أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة “ما بعد الصداع”، وتستمر لمدة يوم إلى يومين، وفيها يشعر الشخص بالتعب، وعدم القدرة على التركيز، وبمزاج مكتئب أو نشط. بعض مرضى الصداع النصفي قد لا يمر بمرحلة الهالة، وبعضهم قد يمر بالهالة ولا يشعر بالصداع.

لهذا السبب، فإن الصداع النصفي يختلف حتما عن كونه “مجرد صداع”، وقد وجدت الدراسات في هذا النطاق أن بعض أنواعه تتسبب في معاناة المصابين به من انخفاض واضح في الإنتاجية أثناء العمل، كما تسهم في تعطيل الأنشطة الأسرية والاجتماعية وأنشطة أوقات الفراغ، تخيل فقط أن نوبة قوية أصابت مراهقا في المرحلة الثانوية قبل ساعات من امتحان سيحدد مستقبله!

الصداع النصفي يصيب الكبار فقط

خرافة أخرى تتعلق بالصداع النصفي، تقول إنه يحدث للكبار فقط، لكن الصداع النصفي ينتشر بين الأطفال حتى في رياض الأطفال، وتزداد نسب المصابين به بزيادة عمر الطفل، لتصل إلى ١٥٪ من طلاب المدارس الثانوية، ويصاب به الذكور والإناث بالتساوي قبل مرحلة البلوغ، لكن نسب الإصابة بين الفتيات تزيد بعد مرحلة البلوغ، ليكون الصداع النصفي أكثر شيوعا بينهن من أقرانهن من الذكور(٧).

ينقسم الصداع النصفي الذي يصيب الأطفال إلى نوعين، الأول صداع نصفي بدون مرحلة الهالة، ويحدث بين ٦٠%-٨٥% من الأطفال والمراهقين المصابين بالصداع النصفي، أما النوع الثاني فهو صداع نصفي مع مرحلة الهالة، ويصيب ١٥%-٣٠% من الأطفال المصابين به، كما أن أعراض الصداع النصفي تبدأ فترة الظهيرة بين الأطفال الأصغر سنا، وبزيادة عمر الطفل تتغير فترة النوبة لتبدأ خلال الصباح الباكر، وتنتشر بين الأطفال أيضا أنواع صداع نصفي أخرى تظهر فيها أعراض أكثر شدة، مثل ضعف عضلات العين، أو ضعف جانب واحد من الجسم، أو ألم في قاعدة الرأس مع التنميل أو صعوبة التوازن، أو مشكلات الكلام أو التركيز، أو التعب، أو تشنج عضلات الرقبة، أو القيء، أو أعراض أخرى تتركز في البطن فيما يعرف بصداع البطن أو الشقيقة البطنية(٨).

هذه الخرافة تحديدا تتسبب في تصور بعض الآباء أن الطفل يتصنّع المرض، وقد تفوت على بعض الأطفال فرصة للتعامل مع المرض مبكرا فتكون النتائج العلاجية أفضل، كما أنها تتسبب في وصم الأطفال بالكسل، خاصة حينما يتخلفون عن أداء مهامهم بسبب نوبات الصداع.

الصداع النصفي وراثي

بالرغم من ربط الصداع النصفي بالتاريخ العائلي، فإن هذا المرض ما زال يشكل تحديا في تحديد أسبابه الرئيسية، بسبب التداخل بين العوامل المهيجة لنوبة الصداع النصفي، واختلاف تأثير هذه العوامل من شخص لآخر، لذا يتم التركيز هنا على هذه العوامل، والتي تشمل الحساسية كالتهاب الأنف التحسسي، فالتهيج والالتهاب الناتج في هذه الحالة قد يسبب أيضا حدوث نوبة الصداع النصفي، وكذلك العوامل البيئية كتغيرات الطقس، وبعض الأطعمة، والإجهاد(٩).

تؤكد عدة أبحاث أيضا على ارتباط الصداع النصفي بطفرات جينية تحدث في جينات وراثية خلال مرحلة ما، فتسبب إصابة الشخص بالصداع النصفي، أو ارتباطه بالجنس الأنثوي، فيتأثر بالتغيرات الهرمونية التي تحدث خلال الدورة الشهرية التي تعتبر أحد مسببات نوبة الصداع النصفي(10)(11).

أما بين الأطفال والمراهقين، فالتاريخ العائلي قد يكون سببا، لكنه ليس الوحيد، فهناك مسببات أخرى، مثل تعرض الطفل للإجهاد الناتج عن الأنشطة المدرسية، أو التنمر، أو المشكلات العائلية، وكذلك قلة عدد ساعات النوم، والحيض، وتغير أنماط الأكل كتفويت الوجبات وتحديدا وجبة الإفطار، وتغيرات الطقس كالعواصف، وبعض الأدوية كأدوية الأزمة أو أدوية علاج “اضطراب فرط النشاط وقلة التركيز”، والسفر، وبعض الأطعمة أو المواد المضافة لها كالأجبان والبيتزا ولحم اللانشون والسجق والأطعمة المحتوية على مادة “مونو صوديوم غلوتاميت” “monosodium glutamate (MSG)” كالـ”نودلز” و”دوريتوس”(١٢).

حينما يعتقد شخص ما أن هذا المرض جيني أو وراثي فقط، فإنه يظن أن شجرة عائلته تقول إن كان سيصاب بهذا المرض أم لا، لكن هذا في العموم غير صحيح، حتى في أكثر الأمراض ارتباطا بالجينات، خذ مثلا حالات سرطان الثدي لدى النساء أو البروستاتا لدى الرجال، من أخطاء الفهم أن الناس يظنون أنهما وراثيان فقط، وقد يفوت البعض فرصة للتشخيص المبكر بسبب ذلك.

الصداع النصفي له علاج

حتى الآن لا يوجد علاج للصداع النصفي، لكن لا تجزع، فجميع الخطط العلاجية المستخدمة والتي تهدف لمنع أو التخفيف من بعض الأعراض المصاحبة لمراحل المرض(١٣) تعد كافية إلى حد كبير مع المرضى، وتتضمن هذه الخطط الأدوية بدون وصفة طبية، أو الأدوية بوصفة طبية، أو تغيير الأنماط الحياتية للمصابين بالمرض.

تشمل الأدوية بدون وصفة طبية مسكنات الألم المعروفة، وقد ينصح الأطباء في حالات الألم المتوسط إلى الشديد باستخدام أدوية أخرى، كالأدوية المضادة للاكتئاب، أو الأدوية المضادة للصرع، أو غيرها، كما ينصح بأداء التمارين الرياضية، وتجنب الأطعمة المهيجة لنوبات الصداع النصفي، والحصول على نوم كاف، وممارسة تمارين الاسترخاء(١٤).

ينصح المرضى أيضا بعدم الإكثار من الأدوية الموصوفة لتخفيف أعراض الصداع النصفي، فقد ينعكس ذلك سلبا، ويزيد شدة أو معدل تكرار نوبات المرض(١٥)، أما في حالة الأطفال فقد يضاف لتلك الخيارات العلاجية التعليم الصحي لمساعدتهم على اكتساب معلومات حول طبيعة المرض والأعراض التي ستظهر عليهم بسببه، والمهارات التي تساعدهم على التخفيف من حدة الأعراض كمهارات تقليل الإجهاد، وقد تستخدم أيضا بعض المستخلصات العشبية والفيتامينات والمعادن أو أدوية أخرى بحسب عمر الطفل وطبيعة الأعراض(١٦).

في النهاية، فإن الاعتقاد بأن هناك علاجا للصداع النصفي يدفع الناس إلى اللهث خلف الكثير من الأدوية، إلى جانب العلاجات العشبية الزائفة وتمارين الطاقة الكونية وغيرها من الخرافات المعاصرة. خذ مثلا هوس “حمية الصداع النصفي” المعاصر، وهي اعتقاد بأن أكلات بعينها قد “تعالج” الصداع النصفي. كما أسلفنا، كل ما نستطيع فعله إلى الآن هو تنظيم الأعراض والتعامل معها.

القهوة تسبب الصداع النصفي

تمتد خرافات الصداع النصفي لتؤثر على كل شيء تقريبا، منها الذي يشتمل على درجة من الخطورة مثلما أسلفنا من خرافات قد تُبعدك أو تبعد طفلا ما عن التشخيص الصحيح، أو خرافات الوصم، ومنها ما يشمل حتى نمط الحياة، فمثلا عند الحديث عن القهوة يتم التركيز على مادة “الكافيين (Caffeine)” وارتباطها بالصداع النصفي، لكن في الحقيقة هناك اختلاف داخل الأوساط العلمية حول دور الكافيين باعتباره مسببا للمرض أو علاجا له، كما أن هذه المادة لا توجد في القهوة فقط، بل أيضا في مشروبات الطاقة والشاي والكاكاو والمشروبات الغازية وبعض الأدوية والمكملات الغذائية.

يمكن للكافيين أن يقلل الألم في الصداع العادي بسبب دوره في إعاقة عملية استشارة الألم، وقد لوحظ أن الحصول على الكافيين مع جرعة محددة من مسكنات الألم ساعد على تحسين وضع المصابين بالصداع بدرجة مُرضية لهم، لذا يضاف الكافيين بوصفه أحد المواد الفعالة في تركيبات الأدوية المسكنة لآلام الصداع(١٧).

لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى الصداع النصفي، ففي حين أن الكافيين كان يستخدم سابقا في أدوية الصداع النصفي كأدوية الصداع الأخرى، أثرت بعض الاكتشافات الحديثة في هذه النظرية، فأصبح من الملاحظ أن الاستخدام المنتظم للمسكنات المحتوية على الكافيين مرتبط بالصداع الناتج عن فرط استخدام الأدوية، أما بالنسبة إلى العلاقة المباشرة بين الصداع النصفي والكافيين، فالأمر مُختلط، بعض الدراسات تجد علاقة ليست بقوية، وبعض الدراسات ترى الكافيين مخففا لآلام الصداع النصفي(١٨). لا يمكن الجزم بتأثير الكافيين على الصداع النصفي، ولكن ينصح المرضى بمعرفة مصادر الكافيين في غذائهم بحيث لا يزيد الكافيين الذي يتناولوه عن 200 مليغرام يوميا(١٩)

في النهاية، فإن الصداع النصفي مرض جاد، يستحق أن نهتم بمصابيه ونتفهم ألمهم، ونوجههم لتلقي العلاج المناسب والابتعاد عن خرافات وسائل التواصل الاجتماعي.

المصدر المواقع الإلكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى