محافظة مسندم منطقة “القنييف الأثرية”سحر الجمال الطبيعي
محافظة مسندم منطقة “القنييف الأثرية”سحر الجمال الطبيعي
تقع “نيابة ليما” في “محافظة مسندم” في أقصى الشمال من سلطنة عمان حيث تطل على الساحل الشرقي للمحافظة حيث يحدها بحر عمان من الشرق وسلسلة جبال شاهقة من الغرب وتتميز ببيئات متنوعة بين السهول والجبال والبحر بخلجانه ومياهه الزرقاء، وتتكون من عدة مناطق سهلية وجبلية وأخرى ساحلية بالقرب من الشاطئ ومن أجملها تلك المناطق المبنية على المصاطب الصخرية بالقرب من الشاطئ حيث ما إن تقترب من ميناء الصيد البحري في نيابة ليما في محافظة مسندم ستلاحظ بيوتا مبنية على مصاطب صخرية ومدرجات حجرية تطل على الميناء في منظر جمالي متناغم مع الطبيعة، إنها منطقة (القنييف الأثرية) التي تعتبر منطقة قديمة قدم وجود الإنسان في هذا المكان حيث تعتبر ليما أحد الموانئ النشطة على سواحل بحر عمان قديما – هذا ومع تنوع وتعدد بيئات السكن في نيابة ليما قديمًا إلا أن منطقة القنييف كانت الأشهر نظرًا لكثرة قاطنيها ولكونها ميناء وسوقا تجاريا.
موقع استراتيجي
عند وصولك لنيابة ليما تستشعر سحر الجمال الطبيعي للمنطقة وبأخذك لجولة فيها يلفت انتباه الزائر لها منطقة تسمى منطقة (القنييف) تلك المنطقة الشامخة والباقية آثارها شاهدة على دقة الإنسان العماني في التنظيم في مختلف شؤون حياته والتي تبدأ في اختيار موقع سكنه الذي بني على مجموعة من المصاطب الصخرية في توزيع متناهٍ في الدقة واصطفاف مرتب للمساكن والطرز العمرانية الأخرى كمخازن الطعام ومعامل دبس التمور والحظائر إلى جانب أماكن مرور الأودية التي تم تصميمها بحيث لا تجرف معها هذه المساكن، وأهمية (القنييف) تكمن في أهمية المنطقة نفسها قديما فنظرًا لكون ليما تطل على ساحل بحر عمان بالقرب من مضيق هرمز أحد أهم الممرات المائية في العالم فقد اكتسبت أهمية كبيرة من خلال وجودها في هذا الموقع المميز.
الغزو الخارجي
ونظرًا لكون ليما ميناء وسوقًا وموقعًا تجاريًا ترغب أو تهدف أي قوة غازية السيطرة عليه فقد حدثت عدة معارك في ليما وخاصة في منطقة (القنييف) حيث يوجد الميناء ومن أشهرها تلك المعركة التي دارت بين الحامية الفارسية التي سيطرت على سواحل ليما والقوات البرتغالية حيث قام القائد البرتغالي روى فيريرا أندرادي بتدمير قلعة ليما عام 1624م، والتي جاء ذكر وصفها في مذكرات هذا القائد (كانت القلعة في ليما عالية ومحصنة وتسكنها حامية فارسية بلغ عددها أربعمائة رجل قاموا بإطلاق النار على الأسطول البرتغالي من بنادقهم فقتلوا ثمانية من الجنود وجرحوا الكثير لم يكن من القصف المدفعي أي جدوى (لارتفاعها) لذا أنزل القائد جنده من البرتغاليين والعساكر المحلية، تحت قيادة ضباطه المرافقين ومانويل كاباكو وهاجم الجنود القلعة بالقنابل اليدوية وتسلقوا جدرانها، وقتلوا من بها دون مراعاة الجنس أو الأعمار وهدموا المدينة والقلعة ولم يتركوا حجرًا واحدًا في مكانه وهنا نشير إلى أنه عند حدوث أي غزو فإن السكان الأصليين ينزحون للجبال -وهي في الأصل أماكن سكناهم- ويتركون السواحل ليحتموا بالجبال حيث كان الغزو البرتغالي بشعًا مدمرًا لهذا لقب البرتغاليين (بملاعين الصير) – وكذلك دخلها الأتراك لكونها ميناء ومطمعًا لأي قوة غازية وهنا حاول قائدهم المدعو (قويق) أن يصعد للجبال ليقتل من التجأ إليها من سكان ليما ولكنه للوصول إليهم كان لا بد من بناء سلم سمي (العرش) وأثناء بنائه هو وجنوده للسلم قام السكان المحليون المتحصنون بالجبل بإلقاء الحجارة عليه هو وجنوده وحشروا قائدهم (قويق) في كهف صغير يسمى (القارة) وقتلوه حرقا وهرب بقية جنوده وهذا يثبت للتاريخ بأن السيطرة على سواحل ليما تبدأ بالسيطرة على مينائها الموجود في منطقة (القنييف).
النشاط الاقتصادي
تعد منطقة (القنييف) من أجمل الأماكن الأثرية في نيابة ليما حيث كان موقعها له ارتباط وثيق بحرفة سكانها حيث تخصص بعضهم في رعي الأغنام والآخر في صيد الأسماك وهذا ما ذكره الرحالة بلجريف (1862-1863م) حيث قال: (والسكان الذين التقيناهم هم معظمهم من الرعاة أو صيادي السمك) وهذا يثبت تاريخيا بأن السيطرة على ليما يبدأ بالسيطرة على مينائها النشط تجاريًا وإلى جانب حرفة الرعي وصيد الأسماك كان هناك سوق في ليما بالقرب من ميناء (القنييف) يدعى سوق النساجين ويعد ميناء ليما ميناء تجاريًا لتصدير الخيول إلى مملكة هرمز وحتى الآن هناك درب جبلي يسمى بدرب الخيل أو طريق الخيل ناهيك عن المنتجات الحرفية والزراعية والأسماك المجففة التي كانت تصدر من ميناء ليما وتنطلق من ليما القوافل التجارية متجهة لمنطقة الروضة في طرق خلفية في جبال ليما.
طراز معماري متميز
تتميز منطقة (القنييف) بمعمار مميز بل ومتفرد حيث تلاحظ وحدة التصميم مع جمال المنظر مع تناغمه مع لون الجبل على شكل مدرجات بينها طرق ومسارات جبلية ومسارات للأودية لكي لا تؤثر على المنازل وكان الناس يجلبون المياه من آبار في سهل النيابة حملًا على الرؤوس أو على ظهور الحمير – وأهم ما يميز طريقة البناء الفريدة من نوعها في منطقة (القنييف) الأثرية توزع المنازل على مصاطب صخرية والتي تعد من أولى مناطق الاستقرار البشري في محافظة مسندم في مختلف المناطق الجبلية حيث تترتب هذه المنازل التي توحي لك ببنائها من قبل مهندسين مختصين في طريقة الترتيب والتوزيع لنمط العمران الفريد من نوعه في منظر جميل حيث بنيت هذه المنازل من صخور الجبال وتصطف بشكل هندسي رائع وتتكون عادة من غرفة وهي البيت الداخلي وفناء مبني أمام الغرفة حيث يبنى جدار أمام المنزل فيما يسمى (الدكة) ويحاط بسور من سعف النخيل تسانده أعمدة من خشب تسمى دفعه (دفع) وله باب خارجي مع سلم للنزول ويكون سقف البيت الداخلي (الغرفة) من جذوع النخيل ويضعون فوق الجذوع حطب السمر وغيرها من الأشجار بترتيب معين ثم شجر من نوع الشحس ونباتات أخرى لتساعد في تماسك الطين ثم توضع طبقة أخرى من الطين لتكون عازلة للمياه كما يوضع الطين على جدار البيت المكون من الصخور وتوضع ملحقات للمنزل مثل الزروب أو المطبخ وبعض الأحيان يوضع المطبخ في داخل الغرفة في البيت الداخلي، ويفوق عدد هذه المنازل في منطقة (القنييف) مائة منزل تقريبا وليست كل الأبنية مخصصة للسكن بل بعضها (مدبس يحفظ به التمر ليسيل عسلًا وبعضها الآخر لحفظ الأغنام والدجاج كحظيرة وبعضها كمخازن لحفظ الأسماك.
دعوة للاستكشاف
إن المتأمل لمنطقة (القنييف) في نيابة ليما يذهل من روعة وجمال التنظيم العمراني الذي يدل على مدى تقدم نمط العمران في هذه المنطقة، كما أن علاقاتها بمحيطها العالمي وتصديرها لسلع مهمة إلى مملكة هرمز وغيرها من الحضارات المحيطة ليتطلب اهتمامًا أكبر من خلال المختصين في علم الآثار للكشف عن عمر هذه المنطقة والتنقيب عن مختلف الدلائل التاريخية لمعرفة أكثر بتاريخ الإنسان العماني وكفاحه من أجل العيش والحفاظ على بيئته وموطنه من موجات المد التي زحفت إلى المنطقة لمحاولة السيطرة عليها والتحكم في مينائها حيث لا توجد دراسات عن هذه المنطقة ولكن موقعها بالقرب من البحر وكميناء وارتفاعها وتحصينها من الغزاة وكذلك من الفيضانات كانت تدل على قدمها وطول مدة بقائها، كما أن وجود المساجد فيها يدل على وجودها منذ العصر الإسلامي وهذا يفتح المجال للمهتمين في وزارة التراث والسياحة للبحث وكذلك لتطوير المنطقة سياحيا.